تكمن أهمية قوانين الحركة في أنها تعد صلب الحضارة المعاصرة؛ حيث إن كل علوم الآلات المتحركة في العصر الحاضر، ابتداء من السيارة والقطار والطائرة إلي صواريخ الفضاء والصواريخ العابرة للقارات.. إنما تقوم وترتكز عليها.
وبقوانين الحركة غزا الإنسان الفضاء الخارجي، واستطاع أن يهبط على سطح القمر..
وقوانين الحركة تعد كذلك أساس جميع العلوم الفيزيائية التي تقوم على الحركة والمشهور عند عموم الناس في الشرق والغرب أن مكتشف هذه القوانين هو العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن و نشرها في كتابه المسمى "الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية".
وقد ظلت هذه هي الحقيقة المعروفة في العالم كله، بل وفي جميع المراجع العلمية حتى مطلع القرن العشرين، وذلك حين تصدى للبحث جماعة من علماء الطبيعة المسلمين المعاصرين، وكان في مقدمتهم الدكتور مصطفى نظيف أستاذ الفيزياء، والدكتور جلال شوقي أستاذ الهندسة الميكانيكية، والدكتور على عبد الله الدفاع أستاذ الرياضيات.. فتوفروا على دراسة ما جاء في المخطوطات الإسلامية في هذا المجال .
ولنحتكم إلى تلك النصوص:
القانون الأول للحركة :
يشير القانون الأول للحركة في علم الفيزياء إلى أنه إذا كان مجموع الكميات الموجهة من القوى التي تؤثر على جسم ما صفرًا، فسوف يظل هذا الجسم ساكنًا، وبالمثل فإن أي جسم متحرك سيظل على حركته بسرعة ثابتة في حالة عدم وجود أية قوى تؤثر عليه، مثل قوى الاحتكاك.
وقد جاء ذلك في قالب نيوتن الرياضي حيث قال: "إن الجسم يبقى في حالة سكون أو في حالة منتظمة في خط مستقيم ما لم تُجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحالة"!
وإذا جئنا إلى علماء المسلمين ودورهم في ذلك؛ فإن الشيخ الرئيس ابن سينا (371 - 428هـ) (981 – 1036م) في كتابه (الإشارات والتنبيهات) صاغ ذلك بلفظه فقال: "إنك لتعلم أن الجسم إذا خُلِّي وطباعه، ولم يَعْرِضْ له من خارجٍ تأثيرٌ غريبٌ، لم يكن له بُدٌّ من موضع معين وشكل معين، فإن في طباعه مبدأ استيجاب ذلك، وليست المعاوقة للجسم بما هو جسم، بل بمعنى فيه يطلب البقاء على حاله".
والواضح لنا من النص السابق أن تعبير ابن سينا للقانون الأول للحركة يمتاز عن تعبير إسحاق نيوتن الذي جاء بعده بأكثر من ستة قرون؛ وفيه يؤكد على أن الجسم يبقى في حالة سكون أو حركة منتظمة في خط مستقيم ما لم تجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحال
القانون الثاني للحركة:
وهذا القانون يربط بين مجموع القوى المؤثرة على الجسم وعلى زيادة سرعته، وهو ما يعرف بالعجلة، وتكون العجلة متناسبة مع حجم القوة وفي نفس اتجاهها، ويعتبر ثابت هذا التناسب بمثابة كتلة الجسم (ك).
قوانين الجاذبية الأرضية اكتشاف المسلمين وقد جاء ذلك في قالب نيوتن الرياضي حيث قال: "إن القوة اللازمة للحركة تتناسب تناسبًا طرديًّا مع كلٍّ من كتلة الجسم وتسارعه، وبالتالي فإنها تُقاس كحاصل ضرب الكتلة × التسارع، بحيث يكون التسارع في نفس اتجاه القوة وعلى خط ميلها".
وإذا جئنا إلى علماء المسلمين، فلك أن تتأمل - مثلاً - قول هبة الله بن ملكا البغدادي (480 - 560هـ) (1087- 1164م) في كتابه (المعتبر في الحكمة) حيث يقول: "وكل حركة ففي زمان لا محالة، فالقوة الأشدّ تُحرِّك أسرع وفي زمن أقصر.. فكلما اشتدت القوة ازدادت السرعة فقصر الزمان، فإذا لم تتناه الشدة لم تتناه السرعة، وفي ذلك تصير الحركة في غير زمان أشد؛ لأن سلب الزمان في السرعة نهاية ما للشدة".
وفي الفصل الرابع عشر الموسوم (الخلاء) قال بلفظه: "تزداد السرعة عند اشتداد القوة, فكلما زادت قوة الدفع زادت سرعة الجسم المتحرك, وقصر الزمن لقطع المسافة المحددة".
وهو بالضبط ما نسقه نيوتن في قالبه الرياضي، وأسماه القانون الثاني للحركة!!
القانون الثالث للحركة:
وهو يعني أنه إذا تفاعل جسيمان، فإن القوة التي يؤثر بها الجسيم الأول في الجسيم الثاني "تسمى قوة الفعل" تساوى بالقيمة المطلقة، وتعاكس بالاتجاه القوة التي يؤثر بها الجسيم الثاني في الأول "تسمى قوة رد الفعل".
وقد صاغ نيوتن ذلك القانون في قالبه الرياضي فقال: "لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه".
وقبله بقرون، وفي كتابه (المعتبر في الحكمة) أورد أبو البركات هبة الله بن ملكا ما نصه: "إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر، وليس إذا غلب أحدهما فَجَذَبَهَا نحوه يكون قد خلت من قوة جذب الآخر، بل تلك القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر إلى كل ذلك الجذب".
وهو نفس المعنى الذي ورد أيضًا في كتابات الإمام فخر الدين الرازي (ت 606هـ / 1209م) في كتابه (المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات) حيث يقول: "الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط، لا شك أن كل واحد منهما فعل فيها فعلاً معوَّقًا بفعل الآخر".
بل إن ابن الهيثم (ت 430 هـ / 1039م) كان له نصيب منه أيضًا، حيث قال في كتابه (المناظر): "المتحرك إذا لقي في حركته مانعًا يمانعه، وكانت القوة المحركة له باقية فيه عند لقائه الممانع، فإنه يرجع من حيث كان في الجهة التي منها تحرك، وتكون قوة حركته في الرجوع بحسب قوة الحركة التي كان تحرك بها الأول، وبحسب قوة الممانعة".
ولا ريب بعد في أن ما أورده علماء المسلمين في هذه النصوص هو أصل القانون الثالث للحركة، والذي صاغه نيوتن بطريقته بعد أن استولى على مادته!!
قانون الجاذبية.. من أحق به وأهله؟!
تكمن أهمية "قانون الجاذبية" في أنه يربط الأجرام السماوية ويحفظ تماسكها وانتظامها في مداراتها، وباكتشافه استطاع العلماء تفسير سقوط الأجسام نحو الأرض، وفهم المزيد عن حركة الكواكب حول الشمس في مدارات دائرية تقريبًا، وذلك بفرض أن التجاذب بين الشمس وكواكبها هو السبب في تلك الحركة الدورانية.
والمشهور عند عموم الناس أيضًا في الشرق والغرب، ويدرسه طلاب المدارس والجامعات أن مكتشف هذا القانون هو إسحاق نيوتن، وذلك عندما سقطت عليه يومًا تفاحة وحينها أخذ يفكر في سبب سقوطها حتى توصل إلى قانون الجاذبية هذا ووضع صياغته، والذي يُثبت فيه أن كل جسم مادي يجذب غيره من الأجسام المادية، بقوة تزيد أو تنقص حسب الكتلة والمسافة بينهما!!
لكن هل هذه هي الحقيقة..؟!!
إن طبيعة العلم التراكمية لتؤكد أنه ما كان يمكن لنيوتن أن يتوصل إلى صياغة قانونه الشهير هذا - كما كان الحال مع قوانين الحركة الثلاثة - لولا أنه وقف على أكتاف سابقيه من جهابذة العلماء، وعلى مر العصور؛ إذ لا يشك أحدٌ في أن الإنسان القديم قد لاحظ سقوط الأجسام من الأعلى إلى الأسفل مثلما لاحظ نيوتن سقوط التفاحة من الشجرة إلى الأرض، ثم تعامل مع الموجودات على ضوء هذه الملاحظة، ولعل في سرد الدكتور أحمد فؤاد باشا للقصة من أولها في كتابه (التراث العلمي الإسلامي.. شيء من الماضي أم زاد للآتي؟) ما يُظهر هذه الحقيقة المهمة.
يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا بعد أن أشار إلى محاولة الفيلسوف اليوناني أرسطو النظرية تفسير السقوط الحر للأجسام: "وقد اهتدى علماء المسلمين – بفضل دينهم الحنيف - إلى المنهج العلمي السليم في تحصيل العلوم والمعارف، فلم يقبلوا تمامًا البراهين الفلسفية للآراء التي يمكن اختبار صحتها تجريبيًا، وفطنوا إلى أن التفسير العلمي لظواهر الكون يكتسب دقته من مدى تعبيره عن الحقيقة العلمية الكامنة وراء سلوك هذه الظواهر، وقدموا لأول مرة في تاريخ العلم أساسًا مقبولاً لتفسير السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية.
وقد بدأ الهمداني (ت334 هـ - 945م) هذه الثورة العلمية بقوله في كتابه (الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء) في سياق حديثه عن الأرض وما يرتبط بها من مياه وهواء: "فمن كان تحتها (أي تحت الأرض عند الأسفل) فهو في الثابت في قامته كمن فوقها، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليه، فهي بمنزلة حجر المغناطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب..".
وبهذا التوضيح يكون الهمداني قد أرسى أول حقيقة جزئية في فيزياء ظاهرة الجاذبية، ليأتي بعده أبو الريحان البيروني (ت440هـ - 1048م) ويؤكد ما سبق إليه الهمداني من أن الأرض تجذب ما فوقها نحو مركزها، فقد جاء في كتابه (القانون المسعودي) أن الأثقال إلى أسفل.
ونجح هبة الله بن ملكا البغدادي في تصحيح الخطأ الجسيم الذي وقع فيه أرسطو، عندما قال بسقوط الأجسام الثقيلة أسرع من الأجسام الخفيفة، وسبق جاليليو في إثبات الحقيقة العلمية الهامة التي تقضي بأن سرعة الجسم الساقط سقوطًا حرًا تحت تأثير الجاذبية الأرضية لا تتوقف إطلاقًا على كتلته، وذلك عندما تخلو الحركة من أي معوقات خارجية، ويعبر عن هذه الحقيقة بكلماته في كتابه " المعتبر في الحكمة" فيقول: "... وأيضًا لو تحركت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف والكبير والصغير والمخروط والمتحرك على رأسه الحاد والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة، في السرعة والبطء؛ لأنها إنما تختلف في الملاء بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخروق كالماء والهواء وغيرهما..".
من ناحية أخرى، أضاف البغدادي حقائق جديدة عن ظاهرة الجاذبية من خلال دراسته لحركة المقذوفات، من حيث إن حركتها إلى أعلى عند القذف تعاكس فعل الجاذبية الأرضية، أو أن القوة القسيرة التي قذف بها الجسم إلى أعلى تعمل في تضاد مع قوة الجاذبية الأرضية، فهو يقول: "... فكذلك الحجر المقذوف فيه ميل مقاوم للميل القاذف؛ إلا أنه مقهور بقوة القاذف؛ ولأن القوة القاسرة عرضية فيه، فهي تضعف لمقاومة هذه القوة والميل الطبيعي ولمقاومة المخروق.. فيكون الميل القاسر في أوله على غاية القهر للميل الطبيعي، ولا يزال يضعف ويبطئ الحركة ضعفًا بعد ضعف وبطئًا بعد بطء حتى يعجز عن مقاومة الميل الطبيعي، فيغلب الميل الطبيعي فيحرك إلى جهته".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن البغدادي لا يستخدم مفهوم " الميل" كقوة خفية أو "وحشية" طبيعية في اتجاه الحنين إلى حضن الأم: كوكب الأرض، مثلما قال أرسطو، ولكنه عنى به القوة المادية التي تتحكم علميًا في حرمة المقذوف صعودًا ضد الجاذبية وهبوطًا في اتجاهها، والسؤال الذي طرحه البغدادي فيما يتعلق بهذه القضية العلمية هو: هل يتوقف الحجر المقذوف عند أعلى نقطة يصل إليها حين يبدأ في الارتداد إلى سطح الأرض؟ ويجيب هو نفسه بالنص الواضح الصريح: "من توهم أن بين حركة الحجر علوا المستكرهة بالتحليق وبين انحطاطه وقفة فقد أخطأ، وإنما تضعف القوة المستكرهة له وتقوى قوى ثقله، فتصغر الحركة، وتخفي حركته على الطرف، فيتوهم أنه ساكن".
وتحدث الخازن عن التسارع (أو العجلة) في سقوط الأجسام نحو الأرض، وضمن كتابه (ميزان الحكمة) ما يدل على معرفته بالعلاقة الصحيحة بين السرعة التي يسقط بها الجسم نحو سطح الأرض والبعد الذي يقطعه والزمن الذي يستغرقه، وهي العلاقة التي تنصل عليها المعادلات الرياضية المنسوبة لجاليليو في القرن السابع عشر الميلادي.
وهكذا يتضح أن علماء الحضارة الإسلامية قد نجحوا في التوصل إلى حقائق جزئية على طريق استكمال التصور الإنساني لظاهرة الجاذبية، بعيدًا عن الآراء الفلسفية القديمة، واستنادًا إلى ما أثبتوه من أن مناهج البحث في المعرفة تعتمد على طبيعة موضوعاتها، ولولا هذه الثورة الهائلة التي أحدثوها في منهجية التفكير والبحث العلمي السليم لظلت خرافات القدماء قائمة حتى وقتنا هذا، ولما وجد إسحق نيوتن من يقف على أكتافهم من عمالقة العلماء لكي يصنع مجده وشهرته.
وبعد!
بعد ما رأيناه وعايناه سابقًا.. ألا يحق لنا أن نطالب بإعادة النظر في تاريخ قوانين الحركة، وأيضًا قانون الجاذبية، ونرد الحق إلى أصحابه؟!!
إننا نهيب بمجتمع العلماء أن يعيدوا النظر في نسبة هذه القوانين، وأن يسعوا جادين مقتنعين بأحقية علماء المسلمين في نسبة الإنجازات في قوانين الحركة الثلاثة وقانون الجاذبية إليهم فهم السابقون حقًا إليها، وهم أحق بها وأهلها.
ونسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين.
الــرد الســـريـع
يجب عليك إنشاء حساب جديد أو تسجيل الدخول لإستخدام الرد السريع و كافة مميزات مملكة البركان
إنشاء حساب جديد
يمكنك إنشاء حساب مجانى جديد لإستخدام كافة مميزات مملكة البركان